السبت، ٥ يوليو ٢٠٠٨

وحده



يحكي أن مدينة ما بلغ سكانها أن سحائب الموت قد صارت تحيط بها من كل جانب ... ولذلك خرجوا منها جميعاً تاركين خلفهم كل شيء... الأغاني وحكايات ما قبل النوم وهمسات العشاق وحليب الصباح وقبل كل شيء تركوا الذكريات الحزينة وأجساد موتاهم ... وانطلقوا في هوس إلي خارج المدينة ... ويحكي أنهم قضوا الليل بالصحراء ... وأنه عندما أتي الصباح كان كل ما تبقي منهم بقايا نيرانهم وأسراب من الحشرات والزواحف حول فتات طعام عشائهم ... وبعد أيام كانت الشائعات تنطلق بالمدن والبلدات ممتطية مناكب الرحالة والرواة وأخيلة الشعراء الجوالين ..... وبعد قليل صارت الشائعات روايات ..... فهناك من قال أن القادة أطلقوا النفير بعد منتصف الليل بالرحيل وذلك استجابة لتحذيرات الكشافة بوجود سحائب الموت عن مقربه هاربين بسكان المدينة صوب أقرب المدن لكن الليل شتت القافلة الممتدة عبر الصحراء فوصل من وصل لبر الأمان وتاه من تاه في ظلمة الصحراء للأبد ... وهناك روايات صارت تصف مجزرة مرعبة تمت في الليل ... وهناك روايات حكت عن صعود السكان للسماء وروايات عن هبوطهم لباطن الأرض وهناك وهناك .... وهناك 
لكن أحداُ لم يقص شيئاً عما جري للمدينة المكسوة بالصمت والذكريات بعدما هجرها الجميع .... بعدما صارت وحيدة لا يؤنس وحدتها سوي تلك المطاردة القاسية التي دارت بها من شارع لشارع ومن ميدان لأخر وعبر البيوت والغرف .. بين الموت وما تبقي من الذكريات والتذكارات .......
لم يهتم أحد بالمدينة التي تخلي عنها الجميع ..... ولذلك أطلق قلب المدينة لعنة بلغت حدود السماء بحق الجميع ومن يومها صار الناس كالمدن يعانون الوحدة في الليل ويبحثون طيلة النهار عن ذكرياتهم وتذكارتهم في أزقة المدن وشوارعها ... 
 
اللوحة من  rodney wood

ليست هناك تعليقات: