الخميس، ٤ ديسمبر ٢٠٠٨

عالم الفقراء التعس




يحكي أنه وفي قديم الأزمان أستيقظ ففراء مدينة ما ككل صباح تاركين أسرتهم المصنوعة من القش وبقايا الملابس ... لامست أقدامهم الغليظة أرضيات أكواخهم الضيقة ...وبعد قليل كانت ذات الأقدام الغليظة الحافية تسعي في أزقة المدينة بحثاً عن الرزق والأحلام ....لكن ذلك الصباح كان مدهشاً لهم ... فلقد أختفي السادة - كل السادة - تاركين قصورهم وعرباتهم وجيادهم وكل شيء خلفهم ... وكأنهم تبخروا وهم نائمين في أسرتهم الحريرية .. أختفي السادة أخذين معهم أطفالهم ونسائهم وحتى موظفيهم .... وليت الأمر توقف عند ذلك الحد فلقد اختفت الشرطة والدولة ورجال السياسة والملك ... لقد ذهبوا جميعهم دون أن يتركون أي أثر أو حتى رسالة .
ولأن الفقراء مرتابين بطبيعتهم فلقد ظل غالبيتهم غير مصدقين لما حدث وتخيلوا أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون مجرد مزحة أبتدعها السادة وهم متحلقين حول قنينة خمر فاخرة ... لكن النهار كان يمضي ... وبرغم الدهشة والحيرة أكتشف الفقراء أنهم جوعي وعطشي ... فلم يطلبهم أحد للعمل ولم تمتد يد مترفة لأحدهم بدرهم أو بكسرة خبز ... وبالتدريج تشجع أكثرهم جوعاً وخطف دجاجة مشوية من فوق طاولة المطعم الذي أختفي صاحبه .. ساد الصمت للحظة وتخيل الجميع فيها أن يداً قوية وثقيلة ستهوي على عنق السارق ... حتى السارق نفسه ضم كتفيه في خوف ... لكن اللحظات مرت ولم يحدث شيء فقضم السارق الدجاجة بنهم وسرعة ... وهنا امتدت عشرات الأيادي تخطف وتسرق وتسلب كل ما يقع في طريقها ... ما يصلح للأكل وما لا يصلح .. سرقت الملابس ونهبت القصور المتاجر وسادت الفوضى في كل شبر من المدينة إلي الحد الذي تقاتل فيه الناس مع بعضهم البعض ... وبعد قليل كانت الدماء قد سالت في شوارع المدينة ... وساد الرعب في كل طريق ... وفي تلك اللحظة ظهر الملك فوق جواده ومن خلفه كل السادة خارجين من مخبئهم في المدينة وهم يضحكون ... بينما كان الفرسان والعسكر يطوفون المدينة لملاحقة اللصوص ومصادرة ما سرق من بيوت السادة .
في الصباح التالي أعلن الملك عن فرض ضريبة جديدة على الفقراء كي ما يستعيد السادة أموالهم ومنازلهم التي دمرها الفقراء ... ورضخ الجميع .. وحمرة الخجل تعلو وجوههم .
في ما يلي ذلك من أيام ولسنوات وسنوات صار الملك والسادة يختفون بين الحين والأخر لكن الفقراء كانوا قد تعلموا الدرس ... بل لقد فقد الفقراء ثقتهم في بعضهم البعض وصار كل منهم ينظر لأبناء طبقته بريبة وتقزز .

 


ليست هناك تعليقات: